ابحث فى المدونة

عمرو حمزاوي :متاهة ومأساة وتزييف للوعى

عمرو حمزاوي :متاهة ومأساة وتزييف للوعى
    والمطلوب هو تبرئة الاستبداد من كارثة انهيار الدول وتفتت المجتمعات وارتحال الناس أملا فى النجاة وبحثا عن الملاذات الآمنة. هكذا يخاطب خدمة السلطان والمكارثيون الرأى العام المصرى بشأن العراق وسوريا، وعبرهما وبإسقاطات منظمة يأتون إلى حالتنا الراهنة. 


    يزعمون أن العراق المقسم طائفيا والذى تقطع عصابات الإرهاب والعنف أوصال نسيجه المجتمعى يجسد النهاية البائسة للغزو الأمريكى ولإسقاط نظام صدام حسين فى 2003، وبعضهم يتباكى بعروبية زائفة على «البطل صدام» الذى وقف فى مواجهة الأمريكيين والأوروبيين وقبلهم فى مواجهة الإيرانيين لكى يحمى تماسك الدولة العراقية ويضمن استقرار المجتمع وتقدمه. 

    يتناسى خدمة السلطان والمكارثيون أن نظام صدام حسين تورط فى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة ضد شعبه الذى لم يتورع عن قصفه بالسلاح الكيماوى وبغيره من أسلحة الفتك والدمار الشامل. يتناسون أن الممارسات القمعية التى أنزلتها أجهزة الديكتاتور بالعراقيات والعراقيين الذين رفضوا الخضوع للإرادة المنفردة «للبطل» أفقدت كثيرين معنى الوطن. 

    يتناسون أن التمييز على أساس العرق والطائفة الذى اختزل العراق فى حاكم فرد ذى هوية عربية وسنية وفى طائفة وقبيلة وعشيرة تسانده وأسس لاضطهاد مفزع للعراقيين الأكراد وللعراقيين الشيعة هو الذى زج بالجميع إلى الصراعات الطائفية وجنون العنف، وصنع البيئات المجتمعية الحاضنة للإرهاب. يتناسون أن جمهورية الخوف التى أقامها البطل هى التى أجهزت على السلم الأهلى للمجتمع ودفعت المتمسكين بالحق والحرية قبل المعارضين إلى الارتحال بعيدا عن أرض سطا عليها من لا يحترم كرامتهم الإنسانية. 

    بالقطع، تورط المحتل الأمريكى فى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان (سجن أبوغريب) وفرض عن عمد الانهيار الكامل (عبر الحل) على بعض مؤسسات الدولة (الجيش) وتلاعب بالهويات العرقية والطائفية والقبلية وترك العراق عملا للنفوذ الإيرانى ولتوطن عصابات الإجرام الإرهابى. غير أن بذور الدمار الذى ألحقه الغزو الأمريكى بالعراق وأسباب استمرار «المتاهة العراقية» إلى اليوم بمواطن باحث عن الارتحال ومجتمع عاجز عن تجاوز هوياته الجزئية ودولة مستباحة تعود إلى استبداد نظام صدام حسين. 

    ومن المتاهة العراقية إلى المأساة / المقتلة السورية التى يوصفها خدمة السلطان والمكارثيون فى مصر على أنها حرب بين نظام حكم وبين عصابات إرهابية تعمل على إسقاط الدولة وتفتيت المجتمع. ولكى يبرر للرأى العام المصرى مساندة «سلطويتنا لاستبدادهم» تتحول الجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها قوات الديكتاتور إما إلى مسكوت عنه لا يشار إليه أو إلى «رد فعل نظامى» على جرائم عصابات الإرهاب، وتشوه أيضا مطالبة الشعب السورى بالحرية والكرامة وحراكه السلمى الواسع فى 2011 كـ«مؤامرة» خطط لها فى الخارج برعاية غربية وصهيونية ونفذها فى الداخل أتباع الغرب – ولما لا، وذات الإفك يزيف به وعى المصريات والمصريين بشأن ثورة يناير 2011. 

    يتناسى خدمة السلطان والمكارثيون المصريون أن ديكتاتورية الأسد هى المسئولة عن تدمير مؤسسات الدولة السورية بعد أن أفقدتها قيمة العدل وقيمة الحيادية إزاء تنوعات الناس العرقية والدينية والمذهبية، وأسست لهيمنة الطائفة العلوية. يتناسون أن الدمار الذى حدث خلال السنوات الماضية، ويستعر اليوم على وقع المواجهة مع عصابة داعش وبسبب تورط المزيد من القوى الدولية فى توظيف القوة العسكرية، رتبه العنف المفرط الذى حاول به الديكتاتور قمع الانتفاضة السلمية فى ربيع 2011. يتناسون أن من يقتلون الناس جماعيا ببراميل متفجرة ويقصفون المناطق الآهلة بالسكان بالطائرات والصواريخ ويستدعون «الحليف الروسى» للقيام بغارات إضافية والحلفاء الإقليميين لحسم المعارك الأرضية لا يملكون إلا العنف للبقاء فى مواقعهم، وهم هنا لا يختلفون فى شىء عن عصابات الإرهاب. يتناسون أن الطرفين، الديكتاتور والإرهابى، يتحملان المسئولية الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية لمآسى التهجير والنزوح والارتحال واللجوء. 

    يزيفون الوعى هناك لتمرير السلطوية هنا، يبرئون الاستبداد فى العراق وسوريا من مآلات الدمار ويلصقونها ظلما بمن أرادوا الحق والحرية، ثم يهددوننا فإما الامتناع عن المطالبة بالديمقراطية والإذعان لجمهورية الخوف أو التعرض لأخطار انهيار الدولة وتفتت المجتمع ولقمعنا نحن أيضا.

    إرسال تعليق

    �����
    �����
    �����
    �����
    �����